فصل: فَصْلٌ: (الْكَافِرُ يُسلمُ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.فَصْلٌ: [تزويجُ الوليِّ أمته بذي عيبٍ]:

(وَلَيْسَ لِوَلِيِّ صَغِيرٍ أَوْ صَغِيرَةٍ) أَوْ وَلِيِّ (مَجْنُونٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ أَوْ) سَيِّدِ (أَمَةٍ تَزْوِيجُهُمْ بِمَعِيبٍ) مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ رَجُلٍ عَيْبًا (يُرَدُّ بِهِ) فِي النِّكَاحِ؛ لِوُجُوبِ نَظَرِهِ لَهُمْ بِمَا فِيهِ الْحَظُّ وَالْمَصْلَحَةُ، وَلَا حَظَّ لَهُمْ فِي هَذَا الْعَقْدِ (فَإِنْ فَعَلَ) وَلِيُّ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ وَالْمُكَلَّفَةِ أَوْ سَيِّدُ الْأَمَةِ؛ بِأَنْ زَوَّجَ بِمَعِيبٍ يُرَدُّ بِهِ (عَالِمًا) بِالْعَيْبِ (لَمْ يَصِحَّ) النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ لَهُمْ عَقْدًا لَا يَجُوزُ عَقْدُهُ؛ كَمَا لَوْ بَاعَ عَقَارَ مَحْجُورِهِ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ (وَإِلَّا) يَعْلَمُ الْوَلِيُّ أَنَّهُ مَعِيبٌ (صَحَّ) الْعَقْدُ (وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْفَسْخُ إذَا عُلِمَ) قَالَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالزَّرْكَشِيِّ فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ أَحَظُّ لَهُنَّ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ (خِلَافًا لِلْمُنْتَهَى فِيمَا يُوهِمُ) إبَاحَةَ الْفَسْخِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَهُ الْفَسْخُ إذَا عَلِمَ. انْتَهَى.
قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ مَنْ يَقُولُ: لَا يُفْسَخُ وَيُنْتَظَرُ الْبُلُوغُ أَوْ الْإِفَاقَةُ، فَلَا يُنَافِي الْوُجُوبَ، وَنَظِيرُهُ فِي كَلَامِهِمْ، وَمِنْهُ مَا فِي الْفُرُوعِ فِي الْوَقْفِ فِي بَيْعِ النَّاظِرِ لَهُ: (وَلَا لِوَلِيِّ حُرَّةٍ مُكَلَّفَةٍ تَزْوِيجُهَا بِهِ) أَيْ: بِمَعِيبٍ يُرَدُّ بِهِ (بِلَا رِضَاهَا) قَالَ فِي الشَّرْحِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ (فَلَوْ فَعَلَ) وَلِيُّهَا بِأَنْ زَوَّجَهَا بِمَعِيبٍ (عَالِمًا) أَنَّهُ مَعِيبٌ (لَمْ يَصِحَّ) النِّكَاحُ (وَإِلَّا) يُعْلَمُ بِالْعَيْبِ (صَحَّ) الْعَقْدُ (وَلَهُ الْفَسْخُ إذَا عَلِمَ) قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ (وَإِنْ اخْتَارَتْ مُكَلَّفَةٌ تَزْوِيجَ مَجْبُوبٍ) أَيْ مَقْطُوعِ الذَّكَرِ (أَوْ) اخْتَارَتْ نِكَاحَ (عِنِّينَ؛ لَمْ تُمْنَعْ) أَيْ: لَمْ يَمْنَعْهَا وَلِيُّهَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الْوَطْءِ لَهَا دُونَهُ، وَإِنْ اخْتَارَتْ نِكَاحَ (مَجْنُونٍ أَوْ مَجْذُومٍ أَوْ أَبْرَصَ؛ فَلِوَلِيِّهَا الْعَاقِلِ مَنْعُهَا) مِنْهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ عَارًا عَلَيْهَا وَعَلَى أَهْلِيهَا، وَضَرَرًا يُخْشَى تَعَدِّيهِ إلَى الْوَلَدِ كَمَنْعِهَا مِنْ تَزَوُّجِهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ (وَإِنْ عَلِمَتْ الْعَيْبَ) الَّذِي تَمْلِكُ الْفَسْخَ بِهِ (بَعْدَ عَقْدٍ أَوْ حَدَثَ) الْعَيْبُ (بِهِ) أَيْ: الزَّوْجِ بَعْدَ عَقْدٍ (لَمْ يُجْبِرْهَا) وَلِيُّهَا وَلَا غَيْرُهُ (لِأَنَّ حَقَّهُ فِي ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ لَا فِي دَوَامِهِ) وَلِهَذَا لَوْ دَعَتْ وَلِيَّهَا إلَى تَزْوِيجِهَا بِعَبْدٍ، لَمْ يَلْزَمْهُ إجَابَتُهَا. وَلَوْ عَتَقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ لَمْ يَمْلِكْ إجْبَارَهَا.

.بَابُ نِكَاحِ الْكُفَّارِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ:

(وَهُوَ) صَحِيحٌ وَحُكْمُهُ (كَنِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَضَافَ النِّسَاءَ إلَيْهِمْ، فَقَالَ: «وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ» وَقَالَ: «امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ» وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وُلِدْت مِنْ نِكَاحٍ لَا مِنْ سِفَاحٍ» (فِيمَا يَجِبُ بِهِ) أَيْ: يَثْبُتُ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ (مِنْ) وُجُوبٍ (نَحْوِ نَفَقَةٍ وَقَسْمٍ وَمَهْرٍ) وَصِحَّةِ (إيلَاءٍ) فَإِذَا آلَى الْكَافِرُ مِنْ زَوْجَتِهِ؛ فَحُكْمُهُ كَالْمُسْلِمِ عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ لِتَنَاوُلِ عُمُومِ آيَةِ الظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ لَهُمْ (وَ) وُقُوعِ (طَلَاقٍ) وَخُلْعٍ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ مِنْ بَالِغٍ عَاقِلٍ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، فَوَقَعَ كَطَلَاقِ الْمُسْلِمِ (وَإِبَاحَةٍ لِزَوْجٍ أَوَّلٍ) إذَا كَانَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَكَانَ الثَّانِي وَطِئَهَا؛ لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (وَإِحْصَانٍ) إذَا وَطِئَهَا، وَهُمَا حُرَّانِ مُكَلَّفَانِ كَمَا يَأْتِي فِي الْحُدُودِ (وَفِي تَحْرِيمِ الْمُحَرَّمَاتِ) السَّابِقِ تَفْصِيلُهُنَّ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَوَاضِعَ (كَمَحَارِمَ) فَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ (وَمُطَلَّقَةٍ ثَلَاثًا) فَلَوْ طَلَّقَ كَافِرٌ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ وَطْءِ زَوْجٍ آخَرَ؛ لَمْ يُقَرَّا عَلَيْهِ لَوْ أَسْلَمَا أَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا، وَإِنْ طَلَّقَهَا أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ، ثُمَّ أَسْلَمَا فَهِيَ عِنْدَهُ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِهَا، سَوَاءٌ أَعَادَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ غَيْرَهُ أَوْ بَعْدَهُ كَمَا يَأْتِي فِي الْمُسْلِمِ، وَإِنْ ظَاهَرَ مِنْهَا، ثُمَّ أَسْلَمَا، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ بِالْوَطْءِ فِيهِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ (لَكِنْ يُقِرُّونَ عَلَى أَنْكِحَةٍ مُحَرَّمَةٍ مَا اعْتَقَدُوا حِلَّهَا) أَيْ: إبَاحَتَهَا؛ لِأَنَّ مَا لَا يَعْتَقِدُونَ حِلَّهُ لَيْسَ مِنْ دِينِهِمْ، فَلَا يَقَرُّونَ عَلَيْهِ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ (وَلَمْ يَتَرَافَعُوا إلَيْنَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ يُخَلُّونَ وَأَحْكَامَهُمْ إذَا لَمْ يَجِيئُوا إلَيْنَا، وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ، وَلَمْ يَعْتَرِضْ عَلَيْهِمْ فِي أَنْكِحَتِهِمْ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُمْ يَسْتَبِيحُونَ نِكَاحَ مَحَارِمِهِمْ، وَمَا لَا يَعْتَقِدُونَ حِلَّهُ لَيْسَ مِنْ دِينِهِمْ. (فَإِنْ أَتَوْنَا) أَيْ: الْكُفَّارُ (قَبْلَ عَقْدِهِ) أَيْ: النِّكَاحِ بَيْنَهُمْ (عَقَدْنَاهُ عَلَى حُكْمِنَا) بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ وَوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ مِنَّا، كَأَنْكِحَةِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ حَكَمْت فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} وَلِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى عَقْدٍ يُخَالِفُ ذَلِكَ (وَإِنْ أَتَوْنَا) مُسْلِمِينَ أَوْ غَيْرَ مُسْلِمِينَ (بَعْدَهُ) أَيْ الْعَقْدِ فِيمَا بَيْنَهُمْ (أَوْ أَسْلَمَ الزَّوْجَانِ) عَلَى نِكَاحٍ، لَمْ نَتَعَرَّضْ لِكَيْفِيَّةِ الْعَقْدِ: مِنْ وُجُودِ صِيغَةٍ أَوْ وَلِيٍّ أَوْ شُهُودٍ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَيْنِ إذَا أَسْلَمَا مَعًا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ أَنَّ لَهُمَا الْمَقَامَ عَلَى نِكَاحِهِمَا مَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا نَسَبٌ أَوْ رَضَاعٌ، وَقَدْ أَسْلَمَ خَلْقٌ كَثِيرٌ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْلَمَ نِسَاؤُهُمْ، فَأُقِرُّوا عَلَى أَنْكِحَتِهِمْ، وَلَمْ يَسْأَلْهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شُرُوطِ النِّكَاحِ وَلَا كَيْفِيَّتِهِ (فَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ تُبَاحُ) لِلزَّوْجِ (إذَنْ) أَيْ: حَالَ التَّرَافُعِ أَوْ الْإِسْلَامِ (كَعَقْدِهِ) عَلَيْهَا (فِي عِدَّةٍ) وَلَمْ يَتَرَافَعَا أَوْ يُسْلِمَا حَتَّى (فَرَغَتْ) الْعِدَّةُ (أَوْ) عَقْدِهِ (عَلَى أُخْت زَوْجَةٍ مَاتَتْ) بَعْدَ عَقْدِهِ وَقَبْلَ الْإِسْلَامِ وَالتَّرَافُعِ؛ أُقِرَّا (أَوْ) عَقَدَهُ (بِلَا شُهُودٍ أَوْ) وَلِيٍّ أَوْ (صِيغَةٍ أُقِرَّا) عَلَى نِكَاحِهِمَا، لِمَا تَقَدَّمَ، وَلِأَنَّ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ إذَنْ لَا مَانِعَ مِنْهُ، فَلَا مَانِعَ مِنْ اسْتِدَامَتِهِ بِالْأَوْلَى (وَإِنْ حَرُمَ ابْتِدَاءُ نِكَاحِهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ (حَالَ إسْلَامٍ أَوْ) حَالَ (تَرَافُعٍ كَذَاتِ مَحْرَمٍ) مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ (أَوْ) مُزَوَّجَةٍ (فِي عِدَّةٍ) مِنْ غَيْرِهِ (لَمْ تَفْرُغْ) إلَى التَّرَافُعِ أَوْ الْإِسْلَامِ (أَوْ) كَانَتْ (حُبْلَى) وَلَوْ مِنْ زِنًا حِينَ التَّرَافُعِ أَوْ الْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِهِ (أَوْ) كَانَ النِّكَاحُ (شُرِطَ الْخِيَارُ فِيهِ مُطْلَقًا) أَيْ: لَمْ يَتَقَيَّدْ بِمُدَّةٍ (أَوْ) شُرِطَ الْخِيَارُ فِيهِ (مُدَّةً لَمْ تَمْضِ) عِنْدَ التَّرَافُعِ أَوْ الْإِسْلَامِ إنْ قُلْنَا: إنَّ النِّكَاحَ مَعَ الشَّرْطِ مِنْ الْمُسْلِمِ لَا يَصِحُّ كَمَا فِي التَّنْقِيحِ حَيْثُ قَالَ: أَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ مَتَى شَاءَ إذَا لَمْ يَصِحَّ مِنْ مُسْلِمٍ انْتَهَى.
فَتَبَيَّنَ أَنَّ بِنَاءَ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَرْجُوحٍ وَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ النِّكَاحِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الْخِيَارُ وَفَسَادُ الشَّرْطِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ وَإِنَّمَا فَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا بِنَاءً عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَإِنْ كَانَ ابْتِدَاءُ نِكَاحِهَا الْآنَ جَائِزًا، لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُمَا عَقْدٌ شَرْعِيٌّ، وَلَا مَا يَعْتَقِدَانِهِ نِكَاحًا، لِأَنَّهُمَا إذَا شَرَطَا فِيهِ الْخِيَارَ، وَلَمْ يَعْتَقِدَا لُزُومَهُ؛ فَكَأَنَّهُمَا لَمْ يَعْتَقِدَاهُ نِكَاحًا، بِخِلَافِ مَا إذَا عُقِدَ بِلَا وَلِيٍّ أَوْ شُهُودٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَقْدٌ شَرْعِيٌّ، لَكِنَّهُ وُجِدَ مِنْهُمَا مَا يَعْتَقِدَانِهِ نِكَاحًا لِأَنَّا نُقِرُّهُمَا عَلَى النِّكَاحِ حَيْثُ عُقِدَ عَلَى حُكْمِنَا، أَوْ اعْتَقَدَاهُ نِكَاحًا إنْ كَانَتْ تَحِلُّ لَهُ حِينَ التَّرَافُعِ (أَوْ اسْتَدَامَ نِكَاحُ مُطَلَّقَتِهِ ثَلَاثًا وَلَوْ مُعْتَقِدًا حِلَّهَا) مَعَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ (فَرَّقَ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّهُ حَالٌ يَمْنَعُ مِنْ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ، فَمَنَعَ اسْتِدَامَتَهُ كَنِكَاحِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ، وَلِأَنَّ مِنْ شَرْطِ النِّكَاحِ اللُّزُومَ، وَالْمَشْرُوطُ فِيهِ الْخِيَارُ لَا يَعْتَقِدَانِ لُزُومَهُ؛ لِجَوَازِ فَسْخِهِ؛ فَلَا يُقَرَّانِ عَلَيْهِ لِعَدَمِ جَوَازِ ابْتِدَائِهِ كَذَلِكَ، (فـَ) إنْ كَانَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمْ (قَبْلَ دُخُولٍ فَلَا مَهْرَ) لَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلْعَقْدِ إذَنْ، (وَ) إنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا (بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ الدُّخُولِ، (فـَ) لَهَا (مَهْرُ مِثْلِهَا) لِشُبْهَةِ الْعَقْدِ وَالِاعْتِقَادِ (وَيَتَّجِهُ): أَنَّ الْوَاجِبَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إنْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا فِي نِكَاحٍ (بَاطِلٍ وَ) لَهَا الْمَهْرُ (الْمُسَمَّى فِي) نِكَاحٍ (فَاسِدٍ)، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ وَطِئَ كَافِرٌ) حَرْبِيٌّ أَوْ ذِمِّيٌّ (كَافِرَةً) حَرْبِيَّةً قَهْرًا أَوْ طَوَاعِيَةً (وَاعْتَقَدَاهُ نِكَاحًا؛ أُقِرَّا) عَلَيْهِ إذَا أَسْلَمَا، لِأَنَّهُ لَا يَتَعَرَّضُ لِكَيْفِيَّةِ النِّكَاحِ بَيْنَهُمْ (وَإِلَّا) يَكُونَا حَرْبِيَّيْنِ أَوْ كَانَا، أَوْ الْوَاطِئُ ذِمِّيًّا وَالْمَوْطُوءَةُ حَرْبِيَّةً، وَلَمْ يَعْتَقِدَاهُ نِكَاحًا (فَلَا) يُقَرَّانِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنِكَاحٍ عِنْدَهُمَا، وَأَمَّا قَهْرُ الذِّمِّيَّةِ فَلَا يَتَأَتَّى لِعِصْمَتِهَا، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إنْ قَهَرَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً لَمْ يُقَرَّ مُطْلَقًا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ؛ وَصَرَّحَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ، (وَمَتَى صَحَّ) الْمَهْرُ (الْمُسَمَّى) فِي نِكَاحٍ يُقَرَّانِ عَلَيْهِ (أَخَذَتْهُ) دُونَ غَيْرِهِ؛ لِوُجُوبِهِ وَصِحَّةِ النِّكَاحِ، وَالتَّسْمِيَةِ كَتَسْمِيَةِ الْمُسْلِمِ. (وَإِنْ قَبَضَتْ) الْمُسَمَّى (الْفَاسِدَ كُلَّهُ كَخَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ وَاسْتَقَرَّا عَلَيْهِ) لِتَقَابُضِهِمَا بِحُكْمِ الشِّرْكِ، وَبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ، كَمَا لَوْ تَبَايَعَا بَيْعًا فَاسِدًا، وَتَقَابَضَاهُ، وَالتَّعَرُّضُ يَشُقُّ لِتَطَاوُلِ الزَّمَانِ وَكَثْرَةِ تَصَرُّفَاتِهِمْ فِي الْحَرَامِ وَفِيهِ تَنْفِيرٌ عَنْ الْإِسْلَامِ، فَعُفِيَ عَنْهُ كَمَا عُفِيَ عَمَّا تَرَكُوهُ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ أَخْذِ نِصْفِهِ؛ سَقَطَ قِيَاسًا عَلَى فَرْضِ الْخَمْرِ ثُمَّ يُسْلِمُ أَحَدُهُمَا (وَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ) مِنْ الْفَاسِدِ بِلَا قَبْضٍ (وَجَبَ قِسْطُهُ) أَيْ: الْبَاقِي (مِنْ مَهْرِ مِثْلٍ) فَلَوْ سَمَّى لَهَا عَشَرَةَ خَنَازِيرَ، فَقَبَضَتْ خَمْسَةً، ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا، وَجَبَ لَهَا نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَيُعْتَبَرُ الْقِسْطُ فِيمَا يَدْخُلُهُ كَيْلٌ كَعَشَرَةِ آصُعٍ مِنْ خَمْرٍ بِالْكَيْلِ (أَوْ) مَا يَدْخُلُهُ (وَزْنٌ) كَعَشَرَةِ أَرْطَالِ شَحْمِ خِنْزِيرٍ بِالْوَزْنِ، (أَوْ) مَا يَدْخُلُهُ (عُدَّ بِهِ) أَيْ: الْعَدِّ؛ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ يُقَسَّطُ عَلَيْهَا، فَاسْتَوَى كَبِيرُهُ وَصَغِيرُهُ. (وَلَوْ أَسْلَمَا) أَيْ الزَّوْجَانِ (فَانْقَلَبَ خَمْرٌ) أَصْدَقَهَا إيَّاهَا (خَلًّا، ثُمَّ طَلَّقَ، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا) أَيْ بِالزَّوْجَةِ (رَجَعَ بِنِصْفِهِ) أَيْ الْخَلِّ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَا أَصْدَقَهَا انْقَلَبَتْ صِفَتُهُ (وَلَوْ تَلِفَ الْخَلُّ) الْمُنْقَلِبُ عَنْ خَمْرٍ أَصْدَقَهَا إيَّاهُ (قَبْلَ طَلَاقِهِ، رَجَعَ) إنْ كَانَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ (بِنِصْفِ مِثْلِهِ) لِأَنَّهُ مِثْلِيٌّ (وَإِنْ لَمْ تَقْبِضْ شَيْئًا) مِمَّا سُمِّيَ لَهَا مِنْ خَمْرٍ وَنَحْوِهِ؛ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، إذَا أَسْلَمَتْ أَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ لَا يَجُوزُ إيجَابُهُ فِي الْحُكْمِ، وَلَا يَكُونُ صَدَاقًا لِمُسْلِمَةٍ وَلَا فِي نِكَاحٍ لِمُسْلِمٍ، فَيَبْطُلُ وَيَرْجِعُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ (أَوْ لَمْ يُسَمِّ) لَهَا (مَهْرًا) فِي نِكَاحِهَا (فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا) لِأَنَّهُ نِكَاحٌ خَلَا عَنْ تَسْمِيَةٍ، فَوَجَبَ فِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ كَالْمُسْلِمَةِ؛ لِئَلَّا تَصِيرَ كَالْمَوْهُوبَةِ.

.فَصْلٌ: [إسلامُ الزَّوْجَيْنِ مَعًا]:

(وَإِنْ أَسْلَمَ الزَّوْجَانِ مَعًا) بِأَنْ تَلَفَّظَا بِالْإِسْلَامِ دَفْعَةً وَاحِدَةً.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَدْخُلُ فِي الْمَعِيَّةِ لَوْ شَرَعَ الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ الْأَوَّلُ؛ فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمَا اخْتِلَافُ دِينٍ؛ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ مُسْلِمًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ جَاءَتْ امْرَأَتُهُ مُسْلِمَةً بَعْدَهُ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا كَانَتْ أَسْلَمَتْ مَعِي، فَرَدَّهَا عَلَيْهِ» (أَوْ) أَسْلَمَ (زَوْجُ كِتَابِيَّةٍ) أَبَوَاهَا كِتَابِيَّانِ، سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ كِتَابِيًّا أَوْ لَا، (فـَ) هُمَا (عَلَى نِكَاحِهِمَا) وَلَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْكِتَابِيَّةِ يَجُوزُ ابْتِدَاؤُهُ؛ فَاسْتِمْرَارُهُ أَوْلَى. (وَإِنْ أَسْلَمَتْ كِتَابِيَّةٌ تَحْتَ كَافِرٍ) كِتَابِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ دُخُولٍ؛ انْفَسَخَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِكَافِرٍ ابْتِدَاءَ نِكَاحِ مُسْلِمَةٍ (أَوْ) أَسْلَمَ (أَحَدُ) زَوْجَيْنِ (غَيْرِ كِتَابِيَّيْنِ) كَمَجُوسَيْنِ وَوَثَنِيَّيْنِ (قَبْلَ دُخُولٍ؛ انْفَسَخَ) النِّكَاحُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} إلَى قَوْلِهِ، {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} إذْ لَا يَجُوزُ لِكَافِرٍ نِكَاحُ مُسْلِمَةٍ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ يَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلِأَنَّ دِينَهُمَا اخْتَلَفَ؛ فَلَمْ يَجُزْ اسْتِمْرَارُهُ كَابْتِدَائِهِ، وَتُعُجِّلَتْ الْفُرْقَةُ. (وَلَهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ (نِصْفُ الْمَهْرِ إنْ أَسْلَمَ) الزَّوْجُ (فَقَطْ) أَيْ: دُونَهَا، لِمَجِيءِ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهِ بِإِسْلَامِهِ، كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا، لَكِنْ لَوْ كَانَ الْمَهْرُ خَمْرًا أَوْ نَحْوَهُ وَقَبَضَتْهُ؛ فَلَا رُجُوعَ بِنِصْفِهِ وَلَا بِبَدَلِهِ إذَنْ كَقَرْضِ خَمْرٍ، ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا (أَوْ) أَيْ: وَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ إنْ (أَسْلَمَا وَادَّعَتْ سَبْقَهُ) لَهَا بِالْإِسْلَامِ، وَقَالَ الزَّوْجُ: بَلْ هِيَ السَّابِقَةُ، فَتَحْلِفُ أَنَّهُ السَّابِقُ بِالْإِسْلَامِ، وَتَأْخُذُ نِصْفَ الْمَهْرِ؛ لِثُبُوتِ الْمَهْرِ فِي ذِمَّتِهِ إلَى حِينِ الْفُرْقَةِ، وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ سُقُوطَهُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ خِلَافُهُ (أَوْ) أَيْ: وَلَهَا الْمَهْرُ إنْ (قَالَا) أَيْ: الزَّوْجَانِ بَعْدَ إسْلَامِهِمَا (سَبَقَ أَحَدُنَا) بِالْإِسْلَامِ (وَلَا نَعْلَمُ عَيْنَهُ) فَلَهَا أَيْضًا نِصْفُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ فِي ذِمَّتِهِ، وَالْمُسْقِطُ مَشْكُوكٌ فِيهِ. (وَإِنْ قَالَ) الزَّوْجُ (أَسْلَمْنَا مَعًا فَنَحْنُ عَلَى النِّكَاحِ، فَأَنْكَرَتْ) الزَّوْجَةُ، فَقَالَتْ: سَبَقَ أَحَدُنَا بِالْإِسْلَامِ، فَانْفَسَخَ النِّكَاحُ (فـَ) الْقَوْلُ (قَوْلُهَا) لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهَا؛ إذْ يَبْعُدُ اتِّفَاقُ الْإِسْلَامِ مِنْهُمَا دَفْعَةً وَاحِدَةً. (وَإِنْ قَالَ) مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ زَوْجَتِهِ (أَسْلَمْتُ فِي عِدَّتِك) وَكَانَ قَوْلُهُ ذَلِكَ (لِمَدْخُولٍ بِهَا؛ فَالنِّكَاحُ بَاقٍ، فَقَالَتْ بَلْ) أَسْلَمْت (بَعْدَ انْقِضَائِهَا فَانْفَسَخَ النِّكَاحُ) (فـَ) الْقَوْلُ (قَوْلُهُ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ. (وَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا) أَيْ: الزَّوْجَيْنِ غَيْرِ الْكِتَابِيَّيْنِ، أَوْ أَسْلَمَتْ كِتَابِيَّةٌ تَحْتَ كَافِرٍ (بَعْدَ الدُّخُولِ، وَقَفَ الْأَمْرُ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ) أَيْ: عِدَّةِ الْمُتَخَلِّفِ. رَوَى ابْنُ شُبْرُمَةَ قَالَ: «كَان النَّاسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْلِمُ الرَّجُلُ قَبْلَ الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةُ قَبْلَهُ، فَأَيُّهُمَا أَسْلَمَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْعِدَّةِ فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا» وَرُوِيَ «أَنَّ بِنْتَ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ كَانَتْ تَحْتَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، فَأَسْلَمَتْ ثُمَّ أَسْلَمَ صَفْوَانُ، فَلَمْ يُفَرِّقْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا» قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَكَانَ بَيْنَهُمَا نَحْوٌ مِنْ شَهْرٍ. رَوَاهُ مَالِكٌ؛ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: شُهْرَةُ هَذَا الْحَدِيثِ أَقْوَى مِنْ إسْنَادِهِ، وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ «أَسْلَمَتْ أُمُّ حَكِيمٍ، وَهَرَبَ زَوْجُهَا عِكْرِمَةُ إلَى الْيَمَنِ، فَارْتَحَلَتْ إلَيْهِ، وَدَعَتْهُ إلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ، وَقَدِمَ، فَبَايَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَقِيَا عَلَى نِكَاحِهِمَا».
قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ امْرَأَةً هَاجَرَتْ وَزَوْجُهَا مُقِيمٌ بِدَارِ الْكُفْرِ إلَّا فَرَّقَتْ هِجْرَتُهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا، إلَّا أَنْ يَقْدُمَ زَوْجُهَا مُهَاجِرًا قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا. رَوَى ذَلِكَ مَالِكٌ. (فَإِنْ أَسْلَمَ الثَّانِي) أَيْ: الْمُتَأَخِّرُ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ (فـَ) هُمَا (عَلَى نِكَاحِهِمَا) لِمَا سَبَقَ (وَإِلَّا) يُسْلِمُ الثَّانِي قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ (تَبَيَّنَّا فَسْخَهُ) أَيْ: النِّكَاحِ (مُنْذُ أَسْلَمَ الْأَوَّلُ) مِنْهُمَا، لِأَنَّ سَبَبَ الْفُرْقَةِ اخْتِلَافُ الدِّينِ، فَوَجَبَ أَنْ تُحْسَبَ الْفُرْقَةُ مِنْهُ كَالطَّلَاقِ، وَلَا تَحْتَاجُ لِعِدَّةٍ ثَانِيَةٍ. (فَلَوْ وَطِئَ الزَّوْجُ) زَوْجَتَهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَقَدْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا (وَلَمْ يُسْلِمْ الثَّانِي فِيهَا) أَيْ: الْعِدَّةِ؛ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فِيهَا (فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا) لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّهُ وَطِئَهَا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ وَانْفِسَاخِ النِّكَاحِ، فَيَكُونُ وَاطِئًا فِي غَيْرِ مِلْكٍ.
قَالَ فِي الشَّرْحِ وَالْمُبْدِعِ وَيُؤَدَّبُ (أَوْ كَانَ طَلَّقَ) قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ (لَمْ يَقَعْ) طَلَاقُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَضَتْ الْعِدَّةُ وَلَمْ يُسْلِمْ تَبَيَّنَّا فَسْخَ النِّكَاحِ مُنْذُ أَسْلَمَ الْأَوَّلُ، وَالْمَفْسُوخُ نِكَاحُهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ، فَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقٌ. (وَإِنْ أَسْلَمَ فِيهَا) أَيْ الْعِدَّةِ (مُتَخَلِّفٌ) عَنْ الْإِسْلَامِ مَعَ وَقْفِ النِّكَاحِ عَلَى انْقِضَاءِ عِدَّتِهِ وَكَانَ إسْلَامُهُ بَعْدَ الْوَطْءِ (فَبِالْعَكْسِ) أَيْ: فَلَا مَهْرَ لِذَلِكَ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَهَا فِي نِكَاحِهِ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْمُحَرَّرِ: وَقَدْ ذَكَرُوا، أَيْ: الْأَصْحَابُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ طَلَّقَهَا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَقَعَ طَلَاقُهُ، فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ قَدْ ظَاهَرَ مِنْهَا أَوْ آلَى، أَوْ قَذَفَهَا؛ صَحَّ ظِهَارُهُ وَإِيلَاؤُهُ وَقَذْفُهُ، وَتَكُونُ كُلُّهَا مَوْقُوفَةً انْتَهَى.
(وَإِنْ أَسْلَمَتْ قَبْلَهُ؛ فَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ وَلَوْ لَمْ يُسْلِمْ) لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا وَإِبْقَاءِ نِكَاحِهَا بِإِسْلَامِهِ فِي عِدَّتِهَا، أَشْبَهَتْ الرَّجْعِيَّةَ لِإِمْكَانِ تَلَافِي نِكَاحِهَا بِإِسْلَامِهِ (وَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَهَا) فَلَا نَفَقَةَ لِلْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُ لِتَلَافِي نِكَاحِهَا، فَأَشْبَهَتْ الْبَائِنَ، وَسَوَاءٌ أَسْلَمَتْ بَعْدُ أَوْ لَمْ تُسْلِمْ، لَكِنْ إنْ كَانَتْ حَامِلًا وَجَبَتْ النَّفَقَةُ لِلْحَمْلِ كَالْبَائِنِ (وَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيْ: الزَّوْجَانِ (فِي السَّابِقِ) مِنْهُمَا بِالْإِسْلَامِ، بِأَنْ قَالَ الزَّوْجُ: أَسْلَمْتُ قَبْلَكِ فَلَا نَفَقَةَ لَكِ، وَقَالَتْ هِيَ: بَلْ أَسْلَمْتُ قَبْلَهُ فَلِي النَّفَقَةُ؛ فَقَوْلُهَا، وَلَهَا النَّفَقَةُ (أَوْ جُهِلَ الْأَمْرُ) بِأَنْ جُهِلَ السَّبْقُ، أَوْ عُلِمَ وَجُهِلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا (فَقَوْلُهَا وَلَهَا النَّفَقَةُ) لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُهَا، فَلَا تَسْقُطُ بِالشَّكِّ. (وَإِنْ قَالَ) الرَّجُلُ لِزَوْجَتِهِ (أَسْلَمْت بَعْدَ شَهْرَيْنِ مِنْ إسْلَامِي فَلَا نَفَقَةَ لَكِ فِيهِمَا، فَقَالَتْ) بَلْ أَسْلَمْتُ (بَعْدَ شَهْرٍ) فَلِي نَفَقَةُ الشَّهْرِ الْآخَرِ (فـَ) الْقَوْلُ (قَوْلُهُ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ مِمَّا تَدَّعِيهِ عَلَيْهِ وَاسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ (كـَ) اتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّهَا أَسْلَمَتْ بَعْدَهُ مَعَ اخْتِلَافِهِمَا فِي الْوَقْتِ، فَلَوْ قَالَ لَهَا (أَسْلَمْت بَعْدَ الْعِدَّةِ، فَقَالَتْ) بَلْ أَسْلَمْت (فِيهَا) أَيْ: الْعِدَّةِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ إسْلَامِهَا فِي الْعِدَّةِ وَانْفَسَخَ النِّكَاحُ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ (وَيَجِبُ الصَّدَاقُ بِكُلِّ حَالٍ) لِاسْتِقْرَارِهِ بِالدُّخُولِ، وَسَوَاءٌ كَانَا بِدَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ بِدَارِ الْحَرْبِ، أَوْ أَحَدُهُمَا بِدَارِ الْإِسْلَامِ وَالْآخَرُ بِدَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ «أُمَّ حَكِيمٍ أَسْلَمَتْ بِمَكَّةَ وَزَوْجُهَا عِكْرِمَةُ قَدْ هَرَبَ إلَى الْيَمَنِ، وَأُقِرَّا عَلَى النِّكَاحِ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ وَالدَّارِ»، فَلَوْ تَزَوَّجَ مُسْلِمٌ بِدَارِ الْإِسْلَامِ بِكِتَابِيَّةٍ بِدَارِ الْحَرْبِ صَحَّ؛ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ}. (وَمَنْ هَاجَرَ إلَيْنَا) مِنْ الزَّوْجَيْنِ وَالْآخَرُ بِدَارِ الْحَرْبِ (بِعَقْدِ ذِمَّةٍ مُؤَبَّدَةٍ) عَقَدْنَاهُ لَهُ؛ لَمْ يَنْفَسِخْ (أَوْ) هَاجَرَ إلَيْنَا الزَّوْجُ (مُسْلِمًا، أَوْ) هَاجَرَتْ إلَيْنَا الزَّوْجَةُ (مُسْلِمَةً، وَالْآخَرُ) مِنْهُمَا (بِدَارِ حَرْبٍ؛ لَمْ يَنْفَسِخْ) نِكَاحُهُمَا بِالْهِجْرَةِ مِنْ جِهَةِ اخْتِلَافِ الدَّارِ، وَأَمَّا اخْتِلَافُ الدِّينِ. فَقَدْ تَقَدَّمَ لَك أَنَّهُ إنْ سَبَقَ زَوْجُ كِتَابِيَّةٍ فَالنِّكَاحُ بِحَالِهِ، أَوْ زَوْجُ غَيْرِهَا؛ وَقَفَ الْأَمْرُ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَإِنْ سَبَقَتْهُ وَقَفَ عَلَى الِانْقِضَاءِ، سَوَاءٌ كَانَتْ كِتَابِيَّةً أَوْ غَيْرَهَا، كُلُّ ذَلِكَ إنْ دَخَلَ بِهَا.

.فَصْلٌ: [الْكَافِرُ يُسلمُ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ]:

(وَإِنْ أَسْلَمَ) كَافِرٌ (وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ) نِسْوَةٍ (بِعَقْدٍ أَوْ لَا، فَأَسْلَمْنَ كُلُّهُنَّ) فِي عِدَّتِهِنَّ (أَوْ كُنَّ كِتَابِيَّاتٍ) أَوْ كَانَ بَعْضُهُنَّ كِتَابِيَّاتٍ، وَبَعْضُهُنَّ غَيْرُهُنَّ، فَأَسْلَمْنَ فِي عِدَّتِهِنَّ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ إمْسَاكُهُنَّ كُلُّهُنَّ بِغَيْرِ خِلَافٍ (اخْتَارَ وَلَوْ) كَانَ (مُحَرِّمًا أَرْبَعًا مِنْهُنَّ وَلَوْ مِنْ مَيِّتَاتٍ) لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ اسْتِدَامَةٌ لِلنِّكَاحِ وَتَعْيِينٌ لِلْمَنْكُوحَةِ؛ فَصَحَّ مِنْ الْمُحْرِمِ، بِخِلَافِ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ؛ وَالِاعْتِبَارُ فِي الِاخْتِيَارِ بِوَقْتِ ثُبُوتِهِ، فَلِذَلِكَ صَحَّ أَنْ يَخْتَارَ مِنْ الْمَيِّتَاتِ: لِأَنَّهُنَّ كُنَّ أَحْيَاءً وَقْتَهُ (إنْ كَانَ) الزَّوْجُ (مُكَلَّفًا، وَإِلَّا) يَكُنْ مُكَلَّفًا (وَقَفَ الْأَمْرُ حَتَّى يُكَلَّفَ) فَيَخْتَارَ مِنْهُنَّ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ لَا حُكْمَ لِقَوْلِهِ. (وَلَيْسَ لِوَلِيِّهِ الِاخْتِيَارُ) لَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى الشَّهْوَةِ، فَلَا تَدْخُلُهُ الْوِلَايَةُ، وَسَوَاءٌ تَزَوَّجَهُنَّ بِعَقْدٍ أَوْ عُقُودٍ، وَسَوَاءٌ اخْتَارَ الْأَوَائِلَ أَوْ الْأَوَاخِرَ نَصًّا؛ لِمَا رَوَى قَيْسُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ: «أَسْلَمْت وَتَحْتِي ثَمَانِ نِسْوَةٍ، فَأَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْت لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوَيْد الثَّقَفِيِّ: «أَنَّ غَيْلَانَ بْنَ سَلَمَةَ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ، فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا (وَعَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَلَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ (نَفَقَتُهُنَّ إلَى أَنْ يَخْتَارَ) مِنْهُنَّ أَرْبَعًا، لِأَنَّهُنَّ مَحْبُوسَاتٌ لِأَجْلِهِ، وَهُنَّ فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ. (وَيَتَّجِهُ: بِاحْتِمَالٍ) مَرْجُوحٍ (فِي غَيْرِ مُكَلَّفٍ) كَصَغِيرٍ (فَقِيرٍ) أَوْ مَجْنُونٍ إذَا أَوْجَبْنَا النَّفَقَةَ فِي مَالِهِ إلَى الْبُلُوغِ أَوْ الْإِفَاقَةِ؛ فَإِنَّهُ (يَذْهَبُ مَالُهُ فِي نَفَقَتِهِنَّ لِكَثْرَتِهِنَّ) وَيَصِيرُ كَلًّا عَلَى النَّاسِ، مَعَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ شَرْعًا فِعْلُ مَا فِيهِ الْحَظُّ وَالْمَصْلَحَةُ لَهُ، وَالْمَصْلَحَةُ هَا هُنَا (اخْتِيَارُ وَلِيِّهِ) لَهُ أَرْبَعًا وَتَرْكُ مَا عَدَاهُنَّ (سِيَّمَا الْمَجْنُونُ) فَإِنَّهُ أَحَقُّ بِأَنْ يَخْتَارَ لَهُ مِنْ الصَّغِيرِ (لِأَنَّهُ) أَيْ: الْمَجْنُونَ (لَيْسَ لَهُ حَدٌّ يَنْتَهِي إلَيْهِ) فَيَنْتَظِرُ، بِخِلَافِ الصَّغِيرِ؛ فَإِنَّ بُلُوغَهُ يَحْصُلُ أَلْبَتَّةَ، وَلِهَذَا اخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ وَلِيَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي التَّعْيِينِ، وَضَعُفَ الْوَقْفُ، وَخَرَّجَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ صِحَّةَ اخْتِيَارِ الْأَبِ مِنْ الزَّوْجَاتِ أَرْبَعًا وَفَسْخَهُ، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ طَلَاقِ الْأَبِ.
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَإِنْ قُلْنَا: يَصِحُّ طَلَاقُ وَالِدِهِ عَلَيْهِ، صَحَّ اخْتِيَارُهُ لَهُ، وَإِنْ لَا فَلَا. انْتَهَى.
وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ لَا يَخْتَارُ لَهُ الْوَلِيُّ، وَيَقِفُ الْأَمْرُ حَتَّى يَبْلُغَ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الشَّهْوَةِ وَالْإِرَادَةِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُوقَفُ الْأَمْرُ حَتَّى يَبْلُغَ عَلَى الصَّحِيحِ، قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ (وَيَعْتَزِلُ الْمُخْتَارَاتِ) وُجُوبًا (حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْمُفَارَقَاتِ) إنْ كَانَتْ الْمُفَارَقَاتُ أَرْبَعًا فَأَكْثَرَ وَإِلَّا اعْتَزَلَ مِنْ الْمُخْتَارَاتِ بِعَدَدِهِنَّ لِئَلَّا يَجْمَعَ مَاءَهُ فِي رَحِمِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ (وَأَوَّلُهَا) أَيْ: الْعِدَّةِ (هُنَا مِنْ حِينِ اخْتِيَارِهِ) لِلْمُخْتَارَاتِ؛ لِأَنَّهُ وَقَّتَ فُرْقَةَ الْمُفَارَقَاتِ (أَوْ يَمُتْنَ) عَطْفٌ عَلَى تَنْقَضِي أَيْ: يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَزِلَ الْمُخْتَارَاتِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْمُفَارَقَاتِ أَوْ يَمُتْنَ (فَلَوْ كُنَّ) أَيْ الزَّوْجَاتُ (ثَمَانِيًا فَاخْتَارَ أَرْبَعًا؛ لَمْ يَطَأْ وَاحِدَةً) مِنْهُنَّ (حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْمُفَارَقَاتِ، فَلَوْ كُنَّ خَمْسًا فَفَارَقَ إحْدَاهُنَّ؛ فَلَهُ وَطْءُ ثَلَاثٍ فَقَطْ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْمُفَارَقَةِ، أَوْ كُنَّ سِتًّا، فَلَهُ وَطْءُ ثِنْتَيْنِ، أَوْ كُنَّ سَبْعًا)؛ فَلَهُ وَطْءُ وَاحِدَةٍ، كُلَّمَا انْقَضَتْ عِدَّةُ مُفَارَقَةٍ حَلَّتْ لَهُ وَاحِدَةٌ مُخْتَارَةٌ، (وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْضُهُنَّ) أَيْ الزَّوْجَاتِ الزَّائِدَاتِ عَلَى أَرْبَعٍ (وَلَيْسَ الْبَاقِي) أَيْ؛ الْمُتَخَلِّفُ عَنْ الْإِسْلَامِ مِنْهُنَّ (كِتَابِيَّاتٍ مَلَكَ إمْسَاكًا وَفَسْخًا فِي مُسْلِمَةٍ) مِنْ الزَّوْجَاتِ إنْ زِدْنَ عَلَى أَرْبَعٍ (خَاصَّةً) فَلَا يَخْتَارُ مِمَّنْ لَمْ يُسْلِمْنَ، (وَلَهُ) أَيْ مَنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ، فَأَسْلَمَ مِنْهُنَّ خَمْسٌ فَأَكْثَرُ (تَعْجِيلُ إمْسَاكٍ مُطْلَقًا) أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ الْبَوَاقِي بَعْدَ مَنْ أَسْلَمَ كِتَابِيَّاتٍ أَمْ لَا، فَيَخْتَارُ أَرْبَعًا مِمَّنْ أَسْلَمْنَ. (وَلَهُ تَأْخِيرُهُ) أَيْ الِاخْتِيَارِ (حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْبَقِيَّةِ، أَوْ يُسْلِمْنَ) فَإِنْ مَاتَ اللَّائِي أَسْلَمْنَ، ثُمَّ أَسْلَمَ الْبَاقِيَاتُ؛ فَلَهُ الِاخْتِيَارُ مِنْهُنَّ وَمِنْ الْمَيِّتَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَقْدٍ، وَإِنَّمَا هُوَ تَصْحِيحٌ لِلْعَقْدِ الْأَوَّلِ فِيهِنَّ (فَإِنْ لَمْ يُسْلِمْنَ) أَيْ: الْبَاقِيَاتُ (أَوْ أَسْلَمْنَ، وَقَدْ اخْتَارَ أَرْبَعًا) مِمَّنْ أَسْلَمْنَ أَوَّلًا (فَعِدَّتُهُنَّ مُنْذُ أَسْلَمَ) لِأَنَّ الْإِسْلَامَ سَبَبٌ مَنَعَ اسْتِدَامَةَ نِكَاحِهَا، وَإِنَّمَا كَانَتْ مُبْهَمَةً قَبْلَ الِاخْتِيَارِ؛ إذْ لَيْسَتْ إحْدَاهُنَّ أَوْلَى بِالْفَسْخِ مِنْ غَيْرِهَا، فَبِالِاخْتِيَارِ تَعَيَّنَتْ، وَالْعِدَّةُ مِنْ حِينِ السَّبَبِ (وَمَنْ لَمْ يَخْتَرْ أُجْبِرَ) عَلَى الِاخْتِيَارِ (بِحَبْسٍ ثُمَّ تَعْزِيرٍ) إنْ أَصَرَّ عَلَى الْحَبْسِ لِيَخْتَارَ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ، فَأُجْبِرَ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهُ إذَا امْتَنَعَ، كَسَائِرِ حُقُوقِهِ (وَيَكْفِي فِي الِاخْتِيَارِ) أَنْ يَقُولَ (أَمْسَكْت هَؤُلَاءِ أَوْ تَرَكْت هَؤُلَاءِ أَوْ اخْتَرْت هَذِهِ لِفَسْخٍ أَوْ) اخْتَرْت هَذِهِ (لِإِمْسَاكٍ، أَوْ أَبْقَيْت هَؤُلَاءِ وَنَحْوَهُ) كَبَاعَدْت هَؤُلَاءِ، وَلَا يَكُونُ الِاخْتِيَارُ إلَّا (مُنْجَزًا) فَلَا يَصِحُّ مُعَلَّقًا، وَيَأْتِي. (وَيَحْصُلُ اخْتِيَارٌ بِوَطْءٍ أَوْ طَلَاقٍ) لِأَنَّهُمَا لَا يَكُونَانِ إلَّا فِي زَوْجَةٍ (فَمَنْ طَلَّقَهَا فَهِيَ مُخْتَارَةٌ) وَ(لَا) يَحْصُلُ اخْتِيَارٌ (بِظِهَارٍ أَوْ إيلَاءٍ) لِأَنَّهُمَا كَمَا يَدُلَّانِ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الْمَنْكُوحَةِ يَدُلَّانِ عَلَى اخْتِيَارِ تَرْكِهَا، فَيَتَعَارَضُ الِاخْتِيَارُ وَعَدَمُهُ، فَلَا يَثْبُتُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، (وَ) إنْ قَالَ: (سَرَّحْت هَؤُلَاءِ، أَوْ فَارَقْتَهُنَّ؛ لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا لَهُنَّ) إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ (وَلَا اخْتِيَارَ لِغَيْرِهِنَّ) لِأَنَّهُ لَيْسَ صَرِيحًا فِيهِ (لَا أَنْ يَنْوِيَهُ) فَيَعْمَلُ بِمَا نَوَاهُ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُهُ، وَالنِّيَّةُ مُعَيِّنَةٌ لِلْمَقْصُودِ (كَذَا فِي الْإِقْنَاعِ ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ. (وَإِنْ وَطِئَ الْكُلَّ) قَبْلَ الِاخْتِيَارِ بِالْقَوْلِ (تَعَيَّنَ الْأُوَلُ) أَيْ: الْأَرْبَعُ الْمَوْطُوآتُ مِنْهُنَّ أَوَّلًا، لِلْإِمْسَاكِ، وَمَا بَعْدَهُنَّ لِلتَّرْكِ اسْتِدْلَالًا بِتَقْدِيمِهِنَّ فِي الْوَطْءِ عَلَى تَقْدِيمِهِنَّ فِي الرَّغْبَةِ عِنْدَهُ. (وَيَتَّجِهُ:) مَحَلُّ تَعْيِينِ الْأَوَّلِ لِلْإِمْسَاكِ حَيْثُ عَلِمْنَ (فَإِنْ جَهِلْنَ) أَيْ الْمَوْطُوآتُ الْأُوَلُ (فـَ) الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ، إمَّا (الْكَفُّ) عَنْ الْجَمِيعِ إلَى أَنْ يَظْهَرَ الْحَالُ (أَوْ الْقُرْعَةُ) بَيْنَهُنَّ، فَمَنْ خَرَجْنَ بِالْقُرْعَةِ؛ فَهُنَّ الْمُخْتَارَاتُ، فَيُمْسِكُهُنَّ وَيَتْرُكُ مَا عَدَاهُنَّ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ طَلَّقَ الْكُلَّ ثَلَاثًا، أُخْرِجَ مِنْهُنَّ أَرْبَعٌ بِقُرْعَةٍ) فَكُنَّ الْمُخْتَارَاتِ، فَيَقَعُ بِهِنَّ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الطَّلَاقَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ، فَإِذَا أَوْقَعَ الطَّلَاقَ عَلَى الْجَمِيعِ أَخْرَجَ الْأَرْبَعَ الْمُطَلَّقَاتِ بِالْقُرْعَةِ. كَمَا لَوْ طَلَّقَ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ لَا بِعَيْنِهِنَّ (وَلَهُ نِكَاحُ الْبَوَاقِي) بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْأَرْبَعِ الْمُخْرَجَاتِ بِقُرْعَةٍ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ بِهِنَّ، فَلَوْ كُنَّ ثَمَانِيًا، فَكُلَّمَا انْقَضَتْ عِدَّةُ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمُطَلَّقَاتِ؛ فَلَهُ نِكَاحُ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمُفَارَقَاتِ.
تَنْبِيهٌ:
إذَا أَسْلَمَ ثُمَّ طَلَّقَ الْجَمِيعَ، ثُمَّ أَسْلَمْنَ فِي الْعِدَّةِ؛ اخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا فَإِذَا اخْتَارَ؛ تَبَيَّنَّا أَنَّ طَلَاقَهُ وَقَعَ بِهِنَّ؛ لِأَنَّهُنَّ زَوْجَاتٌ، وَيَعْتَدِدْنَ مِنْ حِينِ طَلَاقِهِ، وَبَانَ الْبَوَاقِي بِاخْتِيَارِهِ لِغَيْرِهِنَّ، وَلَا يَقَعُ بِهِنَّ طَلَاقُهُ، وَلَهُ نِكَاحُ أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ إذَا انْقَضَتْ عِدَّةُ الْمُطَلَّقَاتِ؛ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الَّتِي قَبْلَهَا أَنَّ طَلَاقَهُنَّ قَبْلَ إسْلَامِهِنَّ فِي زَمَنٍ لَيْسَ لَهُ الِاخْتِيَارُ فِيهِ، فَإِذَا أَسْلَمْنَ تَجَدَّدَ لَهُ الِاخْتِيَارُ حِينَئِذٍ. (وَالْمَهْرُ) وَاجِبٌ (لِمَنْ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا بِالِاخْتِيَارِ إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا) لِاسْتِقْرَارِهِ بِالدُّخُولِ كَالدِّينِ (وَإِلَّا) يَكُنْ دَخَلَ بِهَا (فَلَا) مَهْرَ لَهَا؛ لِتَبَيُّنِ أَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بِإِسْلَامِهِمْ جَمِيعًا، كَفَسْخِ النِّكَاحِ لِعَيْبِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، وَلِأَنَّهُ نِكَاحٌ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ فِي الْإِسْلَامِ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ، كَالْمَجُوسِيِّ يَتَزَوَّجُ أُخْتَهُ، ثُمَّ يُسْلِمَانِ قَبْلَ الدُّخُولِ. (وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ اخْتِيَارٍ بِشَرْطٍ) كَقَوْلِهِ (مَنْ أَسْلَمَتْ فَقَدْ اخْتَرْتهَا) أَوْ مَنْ دَخَلَتْ الدَّارَ فَقَدْ فَارَقْتهَا؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ قَدْ يُوجَدُ فِيمَنْ يُحِبُّهَا فَيُفْضِي إلَى تَنْفِيرِهِ، وَلِذَلِكَ لَمْ تَدْخُلْ الْقُرْعَةُ فِيهِ. (وَلَا) يَصِحُّ (فَسْخُ نِكَاحِ مُسْلِمَةٍ لَمْ يَتَقَدَّمْهَا) أَيْ: حَالَةَ الْفَسْخِ (إسْلَامُ أَرْبَعٍ) سِوَاهَا، وَلَيْسَ فِيهِنَّ أَرْبَعُ كِتَابِيَّاتٍ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْفَسْخِ الطَّلَاقَ فَيَقَعُ؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ، وَإِنْ اخْتَارَ إحْدَاهُنَّ قَبْلَ إسْلَامِهَا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَقْتِ اخْتِيَارٍ، وَإِنْ فَسَخَ نِكَاحَهَا لَمْ يَنْفَسِخْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجُزْ الِاخْتِيَارُ لَمْ يَجُزْ الْفَسْخُ. (وَإِنْ مَاتَ) مَنْ أَسْلَمَ (قَبْلَ اخْتِيَارٍ) وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ (فَعَلَى الْجَمِيعِ) مِمَّنْ أَسْلَمَ مِنْ نِسَائِهِ (أَطْوَلُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ عِدَّةِ وَفَاةٍ أَوْ) عِدَّةِ (حَيَاةٍ)؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مُخْتَارَةً أَوْ مُفَارَقَةً وَعِدَّةُ الْمُخْتَارَةِ عِدَّةُ الْوَفَاةِ، وَعِدَّةُ الْمُفَارَقَةِ ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ، فَأَوْجَبْنَا أَطْوَلَهُمَا احْتِيَاطًا، وَتَعْتَدُّ حَامِلٌ بِوَضْعِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَخْتَلِفُ عِدَّتُهَا، وَصَغِيرَةٌ وَآيِسَةٌ بِعِدَّةِ وَفَاةٍ؛ لِأَنَّهُ أَطْوَلُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ (وَيَرِثُ مِنْهُ) أَيْ: الْمَيِّتِ (أَرْبَعٌ) مِمَّنْ أَسْلَمَ عَلَيْهِنَّ وَأَسْلَمْنَ (بِقُرْعَةٍ) كَمَا لَوْ مَاتَ عَنْ نِسْوَةٍ؛ نِكَاحُ بَعْضِهِنَّ فَاسِدٌ وَجُهِلَ. (وَإِنْ أَسْلَمَ) كَافِرٌ (وَتَحْتَهُ نَحْوُ أُخْتَيْنِ) كَامْرَأَةٍ وَعَمَّتِهَا، أَوْ امْرَأَةٍ وَخَالَتِهَا، فَأَسْلَمَتَا مَعَهُ أَوْ فِي الْعِدَّةِ إنْ دَخَلَ بِهِمَا، أَوْ لَمْ تُسْلِمَا وَهُمَا كِتَابِيَّتَانِ (اخْتَارَ مِنْهُمَا وَاحِدَةً) لِمَا رَوَى الضَّحَّاكُ بْنُ فَيْرُوزَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «أَسْلَمْت وَعِنْدِي امْرَأَتَانِ أُخْتَانِ، فَأَمَرَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أُطَلِّقَ إحْدَاهُمَا» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَفِي لَفْظٍ لِلتِّرْمِذِيِّ اخْتَرْ أَيَّهُمَا شِئْ. وَلِأَنَّ الْمُبْقَاةَ امْرَأَةٌ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا ابْتِدَاءً، فَجَازَ اسْتِدَامَتُهُ كَغَيْرِهَا، وَلِأَنَّ أَنْكِحَةَ الْكُفَّارِ صَحِيحَةٌ، وَإِنَّمَا حَرُمَ الْجَمْعُ، وَقَدْ أَزَالَهُ، كَمَا لَوْ طَلَّقَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ إحْدَاهُمَا، وَلَا مَهْرَ لِغَيْرِ الْمُخْتَارَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا، لِأَنَّهُ نِكَاحٌ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ فِي الْإِسْلَامِ، أَشْبَهَ تَزَوُّجَ الْمَجُوسِيِّ أُخْتَهُ، وَحَيْثُ اخْتَارَ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا، لَمْ يَطَأْ الْمُخْتَارَةَ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ أُخْتِهَا وَنَحْوِهَا، لِئَلَّا يَجْمَعَ مَاءَهُ فِي رَحِمِ نَحْوِ أُخْتَيْنِ، (وَإِنْ كَانَتَا) أَيْ: مَنْ أَسْلَمَ كَافِرٌ عَلَيْهِمَا (أُمًّا وَبِنْتًا) وَأَسْلَمَتَا أَوْ إحْدَاهُمَا، وَكَانَ أَوْ كَانَتَا كِتَابِيَّتَيْنِ (وَ) قَدْ (دَخَلَ بِأُمِّهَا) وَحْدَهَا (فَسَدَ نِكَاحُهُمَا) أَيْ: الْأُمِّ وَالْبِنْتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} وَهَذِهِ أُمُّ زَوْجَتِهِ، فَتَدْخُلُ فِي عُمُومِهَا، وَلِأَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ الْبِنْتَ وَحْدَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا، حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا إذَا أَسْلَمَ، فَإِذَا لَمْ يُطَلِّقْهَا وَتَمَسَّكَ بِنِكَاحِهَا فَمِنْ بَابِ أَوْلَى، وَأَمَّا الْبِنْتُ فَلِأَنَّهَا رَبِيبَةٌ دَخَلَ بِهَا. حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا. (وَإِلَّا) يَكُنْ دَخَلَ بِالْأُمِّ (فـَ) يَفْسُدُ (نِكَاحُ الْأُمِّ وَحْدَهَا) لِتَحْرِيمِهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عَلَى بِنْتِهَا عَلَى التَّأْبِيدِ، فَلَمْ يَكُنْ اخْتِيَارُهَا، وَالْبِنْتُ لَا تَحْرُمُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِأُمِّهَا، فَتَعَيَّنَ النِّكَاحُ فِيهَا، بِخِلَافِ الْأُخْتَيْنِ. (وَلَوْ أَسْلَمَتْ مَنْ) أَيْ: امْرَأَةٌ (تَزَوَّجَتْ بِاثْنَيْنِ) فَأَكْثَرَ (فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ؛ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ أَحَدَهُمَا) أَوْ أَحَدَهُمْ (وَلَوْ أَسْلَمُوا) أَيْ: هِيَ وَالزَّوْجَانِ أَوْ الْأَزْوَاجُ (مَعًا) فِي آنٍ وَاحِدٍ.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ وَذَكَرَهُ الْقَاضِي مَحَلُّ وِفَاقٍ (وَ) إنْ كَانَ تَزَوُّجُهَا وَقَعَ (بِعَقْدَيْنِ) أَوْ عُقُودٍ، (فـَ) هِيَ لِزَوْجِهَا (الْأَوَّلِ)؛ لِأَنَّ عَقْدَهُ صَحِيحٌ، وَمَا بَعْدَهُ بَاطِلٌ.

.فَصْلٌ: [إسلامُ الْحُرِّ وَتَحْتَهُ إمَاءٌ]:

(وَإِنْ أَسْلَمَ حُرٌّ وَتَحْتَهُ إمَاءٌ) أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ أَوْ أَقَلُّ (فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ) قَبْلَ الدُّخُولِ بِهِنَّ (أَوْ) بَعْدَهُ، أَوْ أَسْلَمْنَ (فِي الْعِدَّةِ) إنْ كَانَ دَخَلَ أَوْ خَلَا بِهِنَّ، سَوَاءٌ أَسْلَمْنَ (قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ) لِأَنَّ الْعِدَّةَ حَيْثُ وَجَبَتْ لَمْ تُشْتَرَطْ الْمَعِيَّةُ فِي الْإِسْلَامِ (اخْتَارَ) مِنْهُنَّ (إنْ جَازَ لَهُ نِكَاحُهُنَّ) أَيْ: الْإِمَاءِ، بِأَنْ كَانَ عَادِمَ الطُّولِ خَائِفَ الْعَنَتِ (وَقْتَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِ بِإِسْلَامِهِنَّ) تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ، فَيَخْتَارُ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً إنْ كَانَتْ تُعِفُّهُ، فَإِنْ كَانَتْ لَا تُعِفُّهُ فَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ مَنْ يُعِفُّهُ إلَى أَرْبَعٍ، (وَإِلَّا) يَجُزْ لَهُ نِكَاحُهُنَّ وَقْتَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِ بِإِسْلَامِهِنَّ (فَسَدَ) نِكَاحُهُنَّ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا جَمِيعًا مُسْلِمِينَ لَمْ يَجُزْ ابْتِدَاءُ نِكَاحِ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ؛ فَكَذَلِكَ اسْتِدَامَتُهُ (فَإِنْ كَانَ) زَوْجُ الْإِمَاءِ (مُوسِرًا) قَبْلَ إسْلَامِهِنَّ (فَلَمْ يُسْلِمْنَ) أَيْ: الْإِمَاءُ (حَتَّى أَعْسَرَ) فَلَهُ الِاخْتِيَارُ حَيْثُ خَافَ الْعَنَتَ؛ لِأَنَّ شَرَائِطَ النِّكَاحِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ، وَهُوَ حَالُ اجْتِمَاعِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ، فَلَوْ أَسْلَمَ وَهُوَ مُعْسِرٌ، فَلَمْ يُسْلِمْنَ حَتَّى أَيْسَرَ؛ فَلَيْسَ لَهُ الِاخْتِيَارُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ (أَوْ أَسْلَمَتْ إحْدَاهُنَّ بَعْدَهُ، ثُمَّ عَتَقَتْ، ثُمَّ أَسْلَمَ الْبَوَاقِي؛ فَلَهُ الِاخْتِيَارُ) مِنْهُنَّ بِشَرْطِهِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِحَالِ الِاخْتِيَارِ، وَهِيَ حَالَةُ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الِاخْتِيَارِ، وَحَالَةُ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ كَانَتْ أَمَةً (وَإِنْ) أَسْلَمَ ثُمَّ (عَتَقَتْ ثُمَّ أَسْلَمَتْ ثُمَّ أَسْلَمْنَ) أَيْ: الْبَوَاقِي مِنْ الْإِمَاءِ تَعَيَّنَتْ الْأُولَى إنْ كَانَتْ تُعِفُّهُ؛ لِأَنَّ تَحْتَهُ حُرَّةً عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا عَلَى الْإِسْلَامِ (أَوْ) أَسْلَمَ ثُمَّ (عَتَقَتْ ثُمَّ أَسْلَمْنَ) أَيْ الْبَوَاقِي: (ثُمَّ أَسْلَمَتْ) الْعَتِيقَةُ؛ تَعَيَّنَتْ إنْ كَانَتْ تُعِفُّهُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ (أَوْ عَتَقَتْ بَيْنَ إسْلَامِهِ وَإِسْلَامِهَا) كَأَنْ أَسْلَمَتْ ثُمَّ عَتَقَتْ، ثُمَّ أَسْلَمَ هُوَ ثُمَّ أَسْلَمَ الْبَوَاقِي (تَعَيَّنَتْ الْأُولَى) وَهِيَ الْعَتِيقَةُ (إنْ كَانَتْ تُعِفُّهُ) وَانْفَسَخَ نِكَاحُ الْبَوَاقِي فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهُنَّ لَا يَصِحُّ نِكَاحُهُنَّ إلَّا مَعَ الْحَاجَةِ، وَهِيَ عَدَمُ الطَّوْلِ وَخَوْفُ الْعَنَتِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ هُنَا؛ لِأَنَّ الْعِفَّةَ حَصَلَتْ لَهُ بِالْحُرَّةِ وَهِيَ فِي نِكَاحِهِ، وَمَتَى وَرَدَ عَلَى نِكَاحِ حُرَّةٍ تُعِفُّهُ؛ لَمْ يَجُزْ لَهُ نِكَاحُ أَمَةِ، فَلِذَلِكَ تَعَيَّنَتْ، وَعُلِمَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ عَتَقَتْ إحْدَاهُنَّ بَعْدَ إسْلَامِهِ وَإِسْلَامِهَا؛ لَمْ يُؤَثِّرْ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي ثُبُوتِ الِاخْتِيَارِ بِحَالَةِ اخْتِلَافِ الدِّينِ، لَا بِحَالَةِ الِاتِّفَاقِ فِيهِ، وَثُبُوتُ النِّكَاحِ وَالْحُرِّيَّةُ إنَّمَا طَرَأَتْ هُنَا بَعْدَ ثُبُوتِ النِّكَاحِ، وَلِهَذَا كَانَ لَهُ حِينَئِذٍ ابْتِدَاءُ نِكَاحِهَا، وَكَذَلِكَ اسْتِدَامَتُهُ؛ فَلِذَلِكَ لَمْ يُؤَثِّرْ، وَيَخْتَارُ مِنْهُنَّ، لِأَنَّهُنَّ فِي بَابِ النِّكَاحِ سَوَاءٌ، فَيَخْتَارُ مِنْ جَمِيعِهِنَّ. (وَإِنْ أَسْلَمَ) حُرٌّ (وَتَحْتَهُ حُرَّةٌ وَإِمَاءٌ فَأَسْلَمَتْ الْحُرَّةُ فِي عِدَّتِهَا قَبْلَهُنَّ) أَيْ: الْإِمَاءِ (أَوْ بَعْدَهُنَّ؛ انْفَسَخَ نِكَاحُهُنَّ، وَتَعَيَّنَتْ الْحُرَّةُ إنْ كَانَتْ تُعِفُّهُ) لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْحُرَّةِ الَّتِي تُعِفُّهُ، فَلَا يَخْتَارُ عَلَيْهَا أَمَةً (مَا لَمْ يُعْتَقْنَ ثُمَّ يُسْلِمْنَ فِي الْعِدَّةِ) إنْ كَانَ دَخَلَ بِهِنَّ، فَإِنْ أُعْتِقْنَ ثُمَّ أَسْلَمْنَ فِي الْعِدَّةِ، فَحُكْمُهُنَّ (كَالْحَرَائِرِ فَ) لَهُ أَنْ (يَخْتَارَ) مِنْهُنَّ (أَرْبَعًا) وَإِنْ أَسْلَمَتْ الْحُرَّةُ مَعَهُ دُونَ الْإِمَاءِ ثَبَتَ نِكَاحُهَا، وَانْفَسَخَ نِكَاحُ الْإِمَاءِ؛ وَابْتِدَاءُ عِدَّتِهِنَّ مُنْذُ أَسْلَمَ (وَإِنْ) أَسْلَمَ الْإِمَاءُ، وَ(لَمْ تُسْلِمْ الْحُرَّةُ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا) بَانَتْ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ وَ(اخْتَارَ إذَنْ مِنْ الْإِمَاءِ بِشَرْطِهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْحُرَّةِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْ الْإِمَاءِ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْحُرَّةِ؛ لِأَنَّا نَعْلَمُ عَدَمَ إسْلَامِهَا فِي عِدَّتِهَا.
تَتِمَّةٌ:
وَإِنْ طَلَّقَ الْحُرَّةَ ثَلَاثًا فِي عِدَّتِهَا، ثُمَّ لَمْ تُسْلِمْ فِي عِدَّتِهَا؛ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّ النِّكَاحَ انْفَسَخَ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ فِي عِدَّتِهَا تَبَيَّنَّا وُقُوعَ الطَّلَاقِ.